"إنّهم يضربون لأنّنا نستيقظ ولو كنّا أمواتا ما شعر بنا أحد"
لم يزل مسلسل الإساءات الموجّهة إلى نبيّ الهدى "صلّى الله عليه وآله وسلّم" متواصلا بنزق، ولم يزل حثالة الخلق يتطاولون على حبيب الحقّ وخير الخلق. ما كاد العالم الإسلاميّ يلملم جراحه من وقع الفيلم المسيء الذي عرض في أمريكا، حتى أقدمت الصّحيفة الفرنسية السّاخرة "شارلي إبدو" على عرض رسوم كاريكاتورية تسخر من الإسلام ومن نبيّه عليه الصّلاة والسّلام، في تحدّ صارخ لأمّة المليار ونصف المليار. وعلى درب أمريكا دولة الغطرسة والاستكبار، سارت فرنسا التي برّرت سماحها بنشر تلك الرّسوم بأنّها تحترم حرية التّعبير، ونسيت أن تخبرنا أين ذهبت حرية التّعبير هذه عندما أصدر القضاء الفرنسي مؤخّرا أمرا صارما بمنع إعادة نشر صور تسيء إلى الأميرة كيت زوجة الأمير البريطاني وليام.
إنّها الموازين الطّائشة مرّة أخرى، موازين جعلت قلوبنا تمتلئ حنقا وغيظا لأعداء لم يجدوا لهم رادعا أو زاجرا، ولِبيادق جثمت على صدور المسلمين لا يهمّها ما نال الإسلام ونبيّه وكتابة من إساءات، ولا ما أصاب المسلمين من محن ونكبات. ولكنّنا بقدر امتلاء قلوبنا حنقا وغيظا لهذه الجرأة السّافرة، فإنّنا نلمح خلف هذه المحنة منحة ربانية بدأت تلوح بشائرها في الأفق "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً". لقد قالها الشّيخ محمّد الغزالي طيّب الله ثراه: "لأنّنا نستيقظ فإنّهم يضربون، فلو كنّا أمواتاً ما شعر بنا أحد"؛ المارد العملاق بدأ يستيقظ ويخرج من قمقمه، لذلك فهو يتلقى ضربات جنونية يراد لها أن تجعله يفكّر في العودة إلى سباته أو الانشغال بنفسه، بعيدا عن الرّسالة التي أنيطت به في هذه الحياة.
في كتابه الماتع "الصّارم المسلول على شاتم الرسول" نقل ابن تيمية عليه رحمة الله عن العدول من أهل الفقه والخبرة قولهم إنّهم كانوا يحاربون الرّوم فتستعصي عليهم الحصون ويصعب عليهم فتحها، حتى إذا وقع أهل الحصن في عرض رسول الله "صلّى الله عليه وآله وسلّم"؛ استبشر المسلمون خيرا بقرب فتحه، مع شدّة كراهتهم لذلك السبّ، فلا يكاد يمرّ يوم أو يومان إلا وقد فتحوه بإذن الله القائل "إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ".
حاربوا الإسلام على أرضه ففوجئوا به يغزو ديارهم
لقد فقد المتربّصون بالإسلام في أمريكا وأوروبا صوابهم، وأصيبوا بصدمات قاتلة، وهم يرون الدّين الذي سخّروا جهودهم وأموالهم وأجلبوا بخيلهم ورجلهم واستنفروا وسائل إعلامهم وجيّشوا جيوشهم لحربه على أرضه، يغزو أرضهم وديارهم، ويرون عدد معتنقيه في أوروبا وأمريكا يزداد عاما بعد عام بشكل يهدّد بأسلمة القارة العجوز في غضون سنوات قلائل، لقد أسقط في أيدي القوم وهم يرون 20 ألف أمريكي يعتنقون الإسلام سنويًّا، و23 ألف أوروبي يلوذون بهذا الدّين كلّ عام. بل إنّ بعض إحصاءاتهم دقّت نواقيس الصّلبان قبل أن تدقّ نواقيس الخطر وأنذرت بأنّ الإسلام سيصبح الديانة الأولى في أوروبا على مشارف 2040م.
فرنسا التي يتنافس ساستها على تقديم العهود والوعود بالسّعي للوقوف في وجه تزايد عدد المسلمين، والتي سمحت بنشر الرّسوم المسيئة إلى نبيّ الإسلام، قالت وزارة داخليتها في دراسة أعدّتها أنَّ 3600 شخص يعتنقون الإسلام سنوياً في فرنسا.
أمّا في مصر التي اصطدت على صخور الإيمان فيها مخطّطات الماكرين وأعوانهم وأذنابهم، تشير الإحصاءات أنَّ الأقباط النّصارى يدخل منهم في دين الإسلام ما بين 6000 و7000 شخص سنوياً، ما أدّى إلى إصابة سادة وكبراء القوم في الدّاخل والخارج بحالة من الهوس والدّروشة، جعلتهم يخطّطون لإثارة فتنة في مصر تستدعي تدخّل أمريكا لحماية الأقلية النّصرانية هناك، ولِمَ لا إجبار النّظام المصريّ على سنّ قوانين تحول دون تزايد عدد الأقباط الدّاخلين في الإسلام.
لقد مات الحاقدون بغيظهم، واحترقت قلوبهم في صدورهم، ودفنوا في جلودهم، وانتحر بعضهم بعد أن لم يجد ما يطفئ نارَ الغيظ التي اضطرمت في صدره، وفي هذا الصّدد نشرت صحيفة تايمز البريطانية في عددها ليوم 03 / 11 / 2006م خبرا مفاده أنّ قسا متقاعدا يدعى رولاند ويزلبرغ انتحر بحرق نفسه في دير بألمانيا احتجاجا على انتشار الإسلام وعجز الكنيسة البروتستانتية عن احتوائه، وذكرت الصحيفة عن أرملته قولها أنّ زوجها انتحر بسبب ذعره من انتشار الإسلام وموقف الكنيسة من تلك القضية.
هذا هو السّبب الحقيقيّ لهذه الحملة المتواصلة التي يشنّها الحاقدون في الغرب على الإسلام ونبيّه عليه الصّلاة والسّلام، وكلّهم أمل أن يوقفوا زحف هذا الدّين إلى ديارهم، ولكنّ سعيهم ذهب هباءً، وانقلب السّحر على السّاحر، وكانت إساءاتهم واستفزازاتهم سببا في زيادة عدد الدّاخلين في الإسلام؛ فالعقلاء في الغرب الآن يبحثون ليعرفوا سيرة هذا الرّجل الذي جعل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ينتفضون ويهدّدون مصالح دول غربية كانت تظنّ أنّها تملك من القوة العسكرية والاقتصادية ومن العملاء والأذناب ما يجعل مصالحها في مأمن.
في الأيام الماضية وعلى خلفية عرض الفيلم السّافل في دولة الغطرسة والاستكبار، وفي أعقاب قيام المسلمين بتهديد المصالح الأمريكية، نشرت بعض المواقع تقريرا يفيد أنّ مبيعات الكتب الإسلامية في بريطانيا قد ازدادت بشكل لافت، قدّر عاملون في متاجر للكتب ومكتبات عامّة في غرب العاصمة البريطانية نسبة الارتفاع ما بين 20 و30 %، مقارنة بما كانت عليه خلال الشّهور الماضية. ولا شكّ أنّ الإقبال سيتزداد، وأنّ عدد المعتنقين لدين الحقّ سيتضاعف، كما حدث في الدّانمارك على إثر حملة الرّسوم المسيئة التي نشرت في تلك الدّولة قبل سنوات، حيث اعتنق الإسلامَ أكثرُ من 4000 دنماركيّ خلال عامين فقط بسبب تلك الرّسوم التّافهة:"يُرِيدُونَ لِيُطْفِئوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ".